سورة النمل - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
اعلم أن هذا هو العلامة الثانية لقيام القيامة.
أما قوله: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} ففيه وجوه:
أحدها: أنه شيء شبيه بالقرن، وأن إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه بإذن الله تعالى، فإذا سمع الناس ذلك الصوت وهو في الشدة بحيث لا تحتمله طبائعهم يفزعون عنده ويصعقون ويموتون وهو كقوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور} [المدثر: 8] وهذا قول الأكثرين.
وثانيها: يجوز أن يكون تمثيلاً لدعاء الموت فإن خروجهم من قبورهم كخروج الجيش عند سماع صوت الآلة.
وثالثها: أن الصور جمع الصور وجعلوا النفخ فيها نفخ الروح والأول أقرب لدلالة الظاهر عليه ولا مانع يمنع منه.
أما قوله: {فَفَزِعَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض} فاعلم أنه إنما قال (ففزع) ولم يقل فيفزع للإشعار بتحقيق الفزع وثبوته، وأنه كائن لا محالة لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعاً به والمراد فزعهم عند النفخة الأولى.
أما قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} فالمراد إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة قالوا هم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، وقيل الشهداء، وعن الضحاك الحور وخزنة النار وحملة العرش، وعن جابر موسى منهم لأنه صعق مرة ومثله قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68] وليس فيه خبر مقطوع، والكتاب إنما يدل على الجملة.
أما قوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين} فقرئ (أتوه) و(أتاه) ودخرين وداخرين فالجمع على المعنى والتوحيد على اللفظ والداخر والدخر الصاغر، وقيل معنى الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمر الله وانقيادهم له.


{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة وهي تسيير الجبال، والوجه في حسبانهم أنها جامدة فلأن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت والكيفية ظن الناظر إليها أنها واقفة مع أنها تمر مراً حثيثاً.
أما قوله: {صُنْعَ الله} فهو من المصادر المؤكدة كقوله: {وَعَدَ الله} [النساء: 95] و{صِبْغَةَ الله} [البقرة: 138] إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى أنه لما قدم ذكر هذه الأمور التي لا يقدر عليها سواه جعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب قال القاضي عبد الجبار فيه دلالة على أن القبائح ليست من خلقه وإلا وجب وصفها بأنها متقنة ولكن الإجماع مانع منه والجواب: أن الإتقان لا يحصل إلا في المركبات فيمتنع وصف الأعراض بها، والله أعلم.


{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}
اعلم أنه تعالى لما تكلم في علامات القيامة شرح بعد ذلك أحوال المكلفين بعد قيام القيامة والمكلف إما أن يكون مطيعاً أو عاصياً، أما المطيع فهو الذي جاء بالحسنة وله أمران: أحدهما: أن له ما هو خير منها وذلك هو الثواب، فإن قيل الحسنة التي جاء العبد بها يدخل فيها معرفة الله تعالى والإخلاص في الطاعات والثواب، إنما هو الأكل والشرب فكيف يجوز أن يقال الأكل والشرب خير من معرفة الله جوابه من جوابه: أحدها: أن ثواب المعرفة النظرية الحاصلة في الدنيا هي المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة، ولذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى، وقد دلت الدلائل على أن أشرف السعادات هي هذه اللذة، ولو لم تحمل الآية على ذلك لزم أن يكون الأكل والشرب خيراً من معرفة الله تعالى وأنه باطل.
وثانيها: أن الثواب خير من العمل من حيث إن الثواب دائم والعمل منقضي ولأن العمل فعل العبد، والثواب فعل الله تعالى.
وثالثها: {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} أي له خير حاصل من جهتها وهو الجنة.
السؤال الثاني: الحسنة لفظة مفردة معرفة، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم بل يكفي في تحققها حصول فرد، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأناً وأعلاها درجة وهو الإيمان، فلهذا قال ابن عباس من أفراد الحسنة كلمة الشهادة، وهذا يوجب القطع بأن لا يعاقب أهل الإيمان وجوابه: ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلداً الأمر الثاني: للمطيع هو أنهم آمنون من كل فزع، لا كما قال بعضهم إن أهوال القيامة تعم المؤمن والكافر، فإن قيل أليس أنه تعالى قال في أول الآية: {فَفَزِعَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض} [النمل: 87] فكيف نفى الفزع ههنا؟ جوابه: أن الفزع الأول هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس لشدة تقع وهو يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه كما قيل، يدخل الرجل بصدر هياب وقلب وجاب، وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة، وأما الثاني فالخوف من العذاب.
أما قراءة من قرأ من فزع بالتنوين فهي تحتمل معنيين من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأما ما يلحق الإنسان من الهيبة والرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد، وفي الأخبار ما يدل عليه، ومن فزع شديد مفرط الشدة لا يكتنهه الوصف، وهو خوف النار وأمن يعدي بالجار وبنفسه كقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله} [الأعراف: 99] فهذا شرح حال المطيعين، أما شرح حال العصاة فهو قوله: {وَمَن جَاء بالسيئة} قيل السيئة الإشراك وقوله: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار} فاعلم أنه يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة فكأنه قيل فكبوا في النار كقوله: {فَكُبْكِبُواْ} [الشعراء: 94] ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يلقون على وجوههم فيها (مكبوبين).
أما قوله: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فيجوز فيه الالتفات، وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10